سورة آل عمران - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13)}
{قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ} قيل: خطاب للمؤمنين وقيل: لليهود، وقيل: لقريش؛ والأول أرجح أنه لبني قينقاع الذين قيل لهم: ستغلبون. ففيه تهديد لهم وعبرة كما جرى لغيرهم {فِي فِئَتَيْنِ التقتا فِئَةٌ} المسلمون والمشركون يوم بدر {يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ} قرئ: ترونهم بالتاء خطاباً لمن خوطب بقوله: قد كان لكم آية. والمعنى: ترون الكفار مثْلي المؤمنين. ولكن الله أيد المسلمين بنصره على قدر عددهم، وقُرئ بالياء. والفاعل في يرونهم المؤمنون، والمفعول به هم المشركون. والضمير في مثليهم للمؤمنين والمعنى على حسب ما تقدم. فإن قيل: إنّ الكفار كانوا يوم بدر أكثر من المسلمين؛ فالجواب من وجهين أحدهما: أن الكفار كانوا ثلاثة أمثال المؤمنين، لأن الكفار كانوا قريباً من ألف، والمؤمنون ثلاثمائة وثلاثة عشر. ثم إنّ الله تعالى قلّل عدد الكفار في أعين المؤمنين؛ حتى حسبوا أنهم مثلهم مرتين، ليتجاسروا على قتالهم، إذا ظهر لهم أنهم على ما أخبروا به من قتال الواحد للأثنين من قوله: {فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ} [الأنفال: 66]، وهذا المعنى موافق لقوله تعالى: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ التقيتم في أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً} [الأنفال: 44]، والآخر أنه رجع قوم من الكفار حتى بقي منهم ستمائة وستة وعشرون رجلاً، وذلك قدر عدد المسلمين مرتين، وقيل: إنّ الفاعل في يرونهم ضمير المشركين، والمفعول ضمير المؤمنين. وأن الضمير في مثليهم يحتمل أن يكون للمؤمنين والمفعول للمشركين. والمعنى على هذا أن الله كثر عدد المسلمين في أعين المشركين حتى حسب الكفار المؤمنين مثلي الكافرين أو مثلي المؤمنين. وهم أقل من ذلك وإنما كثرهم الله في أعينهم ليرهبوهم، ويرد هذا قوله تعالى: ويقللكم في أعينهم ليرهبوهم، ويرد هذا قوله تعالى: ويقللكم في أعينهم. {رَأْيَ العين} نصب على المصدرية، ومعناه معاينة ظاهرة لا شك فيها {والله يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ} أي أن النصر بمشيئة الله لا بالقلة ولا بالكثرة، فإن فئة المسلمين غلبت فئة الكافرين؛ مع أنهم كانوا أكثر منهم.


{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)}
{زُيِّنَ لِلنَّاسِ} قيل: المزين هو الله وقيل الشيطان. ولا تعارض بينهما فتزيين الله بالإيجاد والتهيئة للانتفاع، وإنشاء الجبلة على الميل إلى الدنيا. وتزيين الشيطان بالوسوسة والخديعة {والقناطير} جمع قنطار، وهو ألف ومائتا أوقية، وقيل: ألف ومائتا مثقال، وكلاهما مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم {المقنطرة} مبنية من لفظ القناطير وللتأكيد؛ كقولهم: ألوف مؤلفة، وقيل: المضروبة دنانير أو دراهم {المسومة} الراعية من قولهم: سام الفرس وغيره إذا جال في المسارح، وقيل: المعلمة في وجوهها شيات فهي من السمات بمعنى العلامات وقيل: المعدة للجهاد {ذلك مَتَاعُ الحياوة الدنيا} تحقير لها ليزهد فيها الناس.


{قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)}
{قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذلكم} تفضيل للآخرة على الدنيا ليرغب فيها. وتمام الكلام في قوله: {مِّن ذلكم} ثم ابتدأ قوله: {لِلَّذِينَ اتقوا} تفسيراً لذلك، فجنات على هذا مبتدأ وخبره للذين اتقوا، وقيل: إن قوله للذين اتقوا متعلق بما قبله. وتمام الكلام في قوله: عند ربهم، فجنات على هذا خبر مبتدأ مضمر {ورضوان مِّنَ الله} زيادة إلى نعيم الجنة، وهو أعظم من النعيم حسبما ورد في الحديث {الذين يَقُولُونَ} نعتٌ للذين اتقوا، ورفع بالابتداء، أو نصب بإضمار فعل {الصادقين} في الأقوال والأفعال {والقانتين} العابدين والمطيعين {والمستغفرين} الاستغفار هو طلب المغفرة قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف نستغفر؟ فقال: قولوا اللهم اغفر لنا وارحمنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم {بالأسحار} جمع سحر وهو آخر الليل يقال: إنه الثلث الأخير، وهو الذي ورد أن الله يقول حينئذٍ: «من يستغفرني فأغفر له».

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8